إن مجتمعاتنا الحديثة أكثر عرضة من المجتمعات القديمة لإيقاع الإنسان بالمرض النفسي ـ العصبي، فمجتمع اليوم مجتمع يقوم على التنافس والصراع، وعلى الإجهاد وحب السيطرة والكسب. إنه زمن اللاطمأنينة ، والمخاوف، وضعف الوازع الديني، وانهيار القيم الأخلاقية والاجتماعية. ويتناول علم النفس الأمراض النفسية والعقلية تحت شكل تقسيمات وتصنيفات متعددة ، فهي إما أن تكون نفسية ـ عصبية، وإما أن تكون عقلية.
الفرق بين المريض النفسي والمريض العقلي ؟
من المعروف الآن ان الانحرافات النفسية أمراض وظيفية، أي تكون بدون تلف في تركيب المخ، كما أنها لا تنتج عن اختلال عضوي ولا تستند إلى أساس تشريحي معروف. وعلى سبيل المثال: الأفكار السوداء، القلق، الكآبة، وهن الأعصاب (أستينيا)، نهك العزيمة، الحصار النفسي، المخاوف المرضية، الهستيريا، البارانويا...إلخ.، جميعها أمراض نفسية .
وبالنسبة للسلوك الاجتماعي للمريض النفسي (أو النفسي ـ العصبي) ، فهو شخص قل أن يتميز سلوكه الاجتماعي وشخصيته بالشذوذ إلا أن سلوكه هذا الذي يبدو طبيعيًا هو مختلف في الحقيقة عن الميول الداخلية أو الاتجاهات النفسية الخفية عن أعين الناس. والواقع أن المريض النفسي يُقاد من قبل قوى غامضة ومتسلطة لا سلطان له عليها ، تلك هي الحال في العقدة النفسية مثلاً، أو في حالة الخوف المرضي الغير طبيعي من الكلاب أو الظلام أو من الماء أو من النار أو من الأماكن الفسيحة أو الأماكن الضيقة أو العالية.
وأشد ما يتميز به المريض النفسي هو عدم تلاؤمه مع بيئته. إنه يعجز عن أن يتلاءم مع حقله الاجتماعي ( أي مع واقعه ومحيطه وعمله وما شابه ) ، هذا الصراع الانفعالي بينه وبين واقعه هو سبب المرض النفسي، وهنا تبرز متاعب المريض وآلامه وعدم تلاؤمه وصراعاته مع مجتمعه، ونتيجة ذلك نرى المريض يفتش عن حلّ للتلاؤم والتكيف، فنجد ذلك في محاولات توفيقية كأن يهرب مثلاً إلى النوم، أو كالنكوص إلى الطفولة، أو الانهزام، أو إلى مثل هذه الحلول السلبية.
ويتميز المريض النفسي عن المريض العقلي ( ما يطلق عليه العامة لفظ المجنون) بأشياء كثيرة: الأول أنه يعي مرضه أو ما به من حالات نفسية غير سوية، كما يعي جيدًا سلوكه ونشاطاته الفردية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، إن المصاب بالهلوسة (هي انحراف بالحس والإدراك) قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها في الواقع، إلا أنه يعلم جيدًا أن هذه الأشياء التي يسمعها أو يراها لا وجود لها، لذلك يكون سلوكه طبيعيًا وعاديًا.
أما المريض العقلي فهو بالعكس، قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها ولكنه ـ وهذا ما يميزه ـ يقتنع فعلاً بوجودها ويتشكل بموجب ذلك سلوكه ونشاطه وحركاته ، ففي بعض أنواع المرض العقلي يذكر المريض إنه يسمع صوتًا أو يرى قادمًا من بعيد، لذلك فهو يصغي لهذا الصوت أو يجيب عن أسئلة وهمية ، أو يخاطب هذا الصوت غير الموجود. كما أنه يظن وجود أشياء غير موجودة ويبني سلوكه على هذا. ففي الفصام يكون المريض منطويًا على نفسه، جامدًا يهمل حاجياته الغريزية، إلا أنه ينقلب أحيانًا إلى وحش فيهجم ليقتل طبيبه، أو الممرض، أو من يقع تحت يديه، بسبب ظنه أن هذا يريد به سوءًا .
في حين ان المريض النفسي، عكس المريض العقلي، يعي ويعرف، فالذي يخشى أن يكون قد نسي باب غرفته ثم يرجع ليغلقه، ثم يكرر ذلك وبشكل دائم، هو مريض نفسي يعرف سلوكه هذا وحالته، إلا أنه لا يستطيع الفكاك من هذا السلوك. كذلك الفرذ الذي ينسى مكان بيته فهو مريض نفسي مع سلامة عقله. إنه ينسى بيته لوجود صراع داخلي بين نفسه وبين البيئة أو الحقل الاجتماعي الذي هو هنا البيت أو ما فيه أو ما يمثله. بمعنى ؛ أن نسيان البيت هو الرغبة الدفينة لنسيان ما يسببه البيت من آلام وصراع وعدم تكيف. تمامًا مثل حال الذي يخاف من الكلاب مثلاً، أو من الأماكن العالية أو من الظلام أو من الماء، إنه يخاف الكلب، أو المكان العالي، أو الظلام ، لأن هذا قد سبب له في طفولته حادثًا أليمًا كبت في اللاوعي. والقضية إذًا هي :عدم تلاؤم بين المريض وبين واقعه الذي هو سبب نشوء العقدة النفسية .
تسبب الأمراض النفسية آلامًا قد تفوق الآلام البدنية، وقد لا تقل عنها حدة ومدة أو عمقًا ودوامًا. بل إن المرض النفسي قد يؤدي أحيانًا إلى المرض العقلي، والأمثلة هنا كثيرة وعديدة سواء أكان ذلك في ميدان العمل أم في الحياة البيتية ، وفي جميع الأحوال فإنه من الخطأ والخطر النظر إلى المرض النفسي على أنه عرضي أو أنه من العيب اللجوء إلى الطبيب النفسي للاستشارة والمداواة ، إن الأمراض النفسية قابلة للشفاء، وهي كغيرها من الأمراض البدنية تخضع للقوانين والعلاج.
طرق العلاج للأمراض النفسية:
يبدأ العلاج بالفحوصات الفيزيولوجية العامة ثم بفحوصات للغدد الصماء وما أشبه ، وفي المرحلة الثانية يُبحث عن كوامن العقدة النفسية، أي عن أسباب الصراع الانفعالي داخل المريض وعن مكونات أسباب عدم التلاؤم مع البيئة. أما العلاج الحقيقي فيبدأ بعد تشخيص هذه الأمور كلها وبعد المعرفة، ويوجد الكثير من الأدوية والمعالجات، وهي اليوم ذات أثر علاجي فعال.
مناهج واستراتيجيات العلاج النفسي
1 ـ المنهج الإنمائي Developmental
ويطلق عليه أحيانا الاستراتيجية الإنشائية Strategy of promotion وترجع أهمية المنهج الإنمائي إلى أن خدمات التوجيه والإرشاد تقدم أساسا إلى العاديين لتحقيق زيادة كفاءة الفرد الكفء وإلى تدعيم الفرد المتوافق إلى أقصى حد ممكن ، ويتضمن المنهج الإنمائي الإجراءات التي تؤدي إلى النمو السوي السليم لدى الأسوياء والعاديين، خلال رحلة نموّهم طول العمر حتى يتحقق الوصول بهم إلى أعلى مستوى ممكن من النضج والصحة النفسية والسعادة والكفاية والتوافق النفسي. ويتحقق ذلك عن طريق معرفة وفهم وتقبل الذات ونمو مفهوم موجب للذات وتحديد أهداف سليمة للحياة وأسلوب حياة موفق بدراسة الاستعدادات والقدرات والإمكانات، وتوجيهها التوجيه السليم نفسيا وتربويا ومهنيا، ومن خلال رعاية مظاهر نمو الشخصية جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا.
2 ـ المنهج الوقائي Preventive :
يحتل المنهج الوقائي مكانا متميزا في العلاج النفسي، ويطلق عليه أحيانا منهج " التحصين النفسي " ضد المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية، ويقول المثل " الوقاية خير من العلاج "، ونحن نعرف أن الوقاية تغني عن العلاج، وأن جرام وقاية خير من طن علاج، وأن الطن من الوقاية يكلف المجتمع أقل مما يكلفه جرام واحد من العلاج، ويهتم المنهج الوقائي بالأسوياء والأصحاء قبل اهتمامه بالمرضى ليقيهم ضد حدوث المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية.
وللمنهج الوقائي مستويات ثلاثة هي:
الوقاية الأولية: وتتضمن منع حدوث المشكلة أو الاضطراب أو المرض بإزالة الأسباب حتى لا يقع المحظور.
الوقاية الثانوية: وتتضمن محاولة الكشف المبكر وتشخيص الاضطراب في مرحلته الأولى بقدر الإمكان للسيطرة عليه ومنع تطوره وتفاقمه.
الوقاية من الدرجة الثالثة: وتتضمن محاولة تقليل أثر إعاقة الاضطراب أو منع إزمان المرض.
وتتركز الخطوط العريضة للوقاية من الاضطرابات النفسية فيما يلي:
* الإجراءات الوقائية الحيوية: وتتضمن الاهتمام بالصحة العامة، والنواحي التناسلية.
* الإجراءات الوقائية النفسية: وتتضمن رعاية النمو النفسي السوي، ونمو المهارات الأساسية، والتوافق الزواجي، والتوافق الأسري، والتوافق المهني، والمساندة أثناء الفترات الحرجة، والتنشئة الاجتماعية السليمة.
* الإجراءات الوقائية الاجتماعية: وتتضمن إجراء الدراسات والبحوث العلمية وعمليات التقويم والمتابعة والتخطيط العلمي للإجراءات الوقائية.
3 ـ المنهج العلاجي:
هناك بعض المشكلات والاضطرابات قد يكون من الصعب التنبؤ بها فتحدث فعلا. وكل فرد يَخبر في وقت ما مواقف أزمات Crisis – situation وفترات حرجة ومشكلات حقيقية يحتاج فيها إلى مساعدة ومساندة لتخفيض مستوى القلق ورفع مستوى الأمل، ويتضمن دور المنهج العلاجي كذلك علاج المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية حتى العودة إلى حالة التوافق والصحة النفسية ، ويهتم المنهج العلاجي بنظريات الاضطراب والمرض النفسي وأسبابه وتشخيصه وطرق علاجه وتوفير المرشدين والمعالجين والمراكز والعيادات والمستشفيات النفسية.
ويلاحظ أن المنهج العلاجي يحتاج إلى تخصص أدق في الإرشاد العلاجي إذا قورن بالمنهجين الإنمائي والوقائي.وهو أكثر المناهج الثلاثة تكلفة في الوقت والجهد والمال. كذلك فإن نسبة نجاح الاستراتيجية لا تكون 100% وقد يفلت الزمام من يد المرشد أو المعالج إذا بدأ العلاج بعد فوات الأوان.
أساليب العلاج الحديثة
1 ـ تعديل السلوك و تعلم عادات جديدة
هناك تجربة رائدة قام بها عالمان من علماء النفس هما :"واطسون و"راينر" ـ وهما من رواد العلاج النفسى السلوكى ـ فقد قاما هذان العالمان بوضع فأر أبيض على مقربة من طفل صغير يدعى "ألبرت" ، وعندما مد الصغير يده للفأر ، أصدر "واطسون" صوت مزعج من خلف الطفل جعله يصرخ ، وتكررت التجربة عدة مرات ، وفى كل مرة يؤدى الصوت المزعج الى فزع الطفل وصراخه . ثم جاءت الخطوة الثانية من التجربة وذلك بوضع الفأر الأبيض قريباً من الطفل ولكن بدون إحداث ذلك الصوت المزعج ، فظل الطفل يصرخ بشدة فى كل مرة يرى فيها الفأر الأبيض ، وأصبح فى حالة خوف وهلع شديدين لمجرد رؤيته من بعيد !والشئ الغريب أنه قد حدث للطفل بعد ما ذلك يسمى "بظاهرة التعميم" فقد أصبح الطفل يخاف ويفزع من أى شئ يشبه – من قريب أو بعيد – ذلك الفأر الأبيض .لقد أصبح "ألبرت" يخاف بشدة من القطط والأرانب , بل ومن الكلاب ذات الفراء الابيض, بل وأكثر من ذلك ، فقد كانت تنتابه نفس النوبة من المخاوف والفزع إذا رأى حتى قطعة فراء ابيض!ونلاحظ أن "ظاهرة التعميم " تلك تحدث فى الكثير من الحالات ، فالأب القاسى المتشدد الذى يضرب ابنه باستمرار ، ويعاقبه على كل صغيرة وكبيرة , تتسبب معاملته هذه فى خوف الإبن الشديد ، ليس من الأب فقط ، وإنما من رئيسه ، ومن كل رجل فى موقع سلطة أو نفوذ .
إن التجربة البسيطة التى شرحناها تثبت أن المخاوف المرضية والقلق النفسى الشديد هما عادات أو سلوكيات خاطئة متعلمة نتيجة تكرار التعرض لموقف مفزع أو مؤلم . فتعرض الطفل "ألبرت" للفأر الابيض (المثير الطبيعى) لم تسبب له أى انفعالات مزعجة فى بداية الامر . ولكن اقتران ظهور الفأر الابيض (المثير الطبيعى) بإحداث صوت مخيف مزعج (المثير الشرطى) أدى الى إثارة مخاوف الطفل وصراخه (الاستجابة) . وأدى تكرار مثل هذه التجربة الى ظهور سلوك غير صحى ، وظهور أعراض مخاوف مرضية . فلقد أصبح الطفل "ألبرت" يعانى من خوف مرضى (فوبيا) يمكن أن يستمر معه طوال العمر !!
إن هذه التجربة تعنى إمكان إحداث مرض أو خلل نفسى بصورة تجريبية ، وبالتالى بإمكانية علاجه وإزالة أعراضه طبقاً لقواعد علم النفس والعلاج النفسى السلوكى أيضاً ،أى أن المرض النفسى سلوك متعلم.وإننا نتعلم الخوف والوساوس والقلق ، بل ونتعلم تكوين ارتباطات شرطية خاطئة يمكن أن تؤدى الى اختلال التفكير أو اضطراب الوجدان . من هنا ؛ تؤكد نظريات التعلم وعلم النفس السلوكى أن المرض النفسى هو سلوك خاطئ متعلم .بل إن المرض العقلى أيضاً كالفصام ـ من وجة نظر المدرسة السلوكية ـ ليس إلا تعلماً متواصلاً لسلوك مضطرب( وهذا الموضوع محل جدال وأختلاف ) ، فالفصامى يتعلم منذ طفولته التناقض الفكرى والوجدانى ، وذلك عندما يتلقى من أبويه أوامر ورسائل (لفظية وغير لفظية) وتقول له افعل (س) ولاتفعل (س) ,أى افعل ولاتفعل نفس الشئ ، عندئذ يفشل الطفل فى تكوين مفاهيم وتصورات واقعية وثابتة ومحدد ، وكما أننا استطعنا بالتجربة أن نحدث أعراضا مرضية .. فإننا نستطيع غرس سلوكيات وعادات صحية مرغوبة أيضاً .
ولكى نعالج حالة مثل حالة الطفل "ألبرت" فإن علينا أن نحدث اقترانا وارتباطا جديداً بين ظهور الفأر الأبيض (المثير الطبيعى) وبين (مثير شرطى) آخر يثير السعادة والسرور فى نفس "ألبرت" بدلا من ذلك الصوت المزعج المخيف ، كأن نقرن بين ظهور الفأر الأبيض وتقديم قطعة من الحلوى أو لعبة يحبها الطفل .أى أن نخلق ارتباطاً جديد بين ظهور الفأر الأبيض وإحداث حالة من السرور والابتهاج – مصحوبة بالاطمئنان وعدم الخوف – للطفل "ألبرت" .كما يشترط أن يتم تقريب الفأر أو أى بديل آخر ذى فراء أبيض بالتدريج ، فنبدأ بإظهاره من بعيد مع تقديم الحلوى أو اللعب التى تشيع فى نفس الطفل مشاعر السرور والطمأنينة ، وتتكرر التجربة وفى كل مرة يتم تقريب الفأر تدريجياً مصحوباً بمشاعر البهجة والاسترخاء , وهكذا نلاحظ أننا قدمنا للطفل نفس المثير الذى كان يسبب له الهلع والخوف والذعر (الفأر الابيض) ولكن مع كل مرة يظهر فيها كان المجربان يقدمان للطفل مايثير فى نفسه السرور والبهجة , فارتبط ظهور الفأر الابيض فى ذهن الطفل بمشاعر السرور والبهجة والطمأنينة .. فلم يعد يخشاه أو يفزع من رؤيته ! وهكذا تم استبدال استجابة الخوف والقلق عند الطفل "ألبرت" باستجابة السرور والطمأنينة.
ويجب مراعاة أثر التكرار المتدرج فى تقديم المثير بدرجات بسيطة تزداد حتى تصل الى تقديم المثير عن قرب وبحجمه الطبيعى .كما وأن تقديم ما يسمى بالتعزيز الإيجابى (التدعيم أو التشجيع أو الإثابة) للإستجابة المرغوبة يؤدى الى تعزيز وتدعيم السلوك المرغوب واستمراره حتى يصبح عادة – شبة ثابتة – من عادات فالتعلم هو تغير فى سلوك الفرد بحيث يمكن تعديله أو تشكيله أو صقله . وان ذلك التغير فى السلوك يمكن أن يستمر إذا تم تعزيزه بالمكافأة والتشجيع والتدعيم .أما التغير فى السلوك الناتج عن العقاب أو الذى يرتبط بمشاعر الفشل أو الإحباط فهو تغير سطحى لايستمر طويلا بل وقد ينتج عنه سلوكيات مضاده غير صحية , وإن التخلص من أى عادة سيئة أو أى سلوك غير مرغوب يتوقف بدرجة كبيرة على أن إظهار هذه العادة السيئة تسبب للفرد مشاعر غير سارة وتؤدى الى نتائج غير ممتعة أو غير مفيدة أو ضارة مؤذية، ويمكن أن يستخدم الإيحاء الذاتى فى المساعدة علىاستبدال السلوك الغير مرغوب بسلوك أخر إننا نتعلم كل شئ ..نتعلم الشجاعة أو الجبن ..نتعلم الثبات والهدوء , أو الرعونة والقلق ..نتعلم النشاط والصبر والتفاؤل , أو الكسل والتخاذل والتشاؤم .. نتعلم النظام والدقة , أو الفوضى والمرض والارتباك .ولا نبالغ إذا قلنا أن كل الكائنات والمخلوقات تخضع لعمليات التعلم وتغيير السلوك حتى أبسط الكائنات .
2 ـ أسلوب التدعيم و المكافأة
من ملاحظتنا اليومية.. أن كل سلوك يلقى استحساناً أو تشجيعاً أو ينال مكافأة مادية أو معنوية.. فإنه يتكرر باستمرار حتى يصبح عادة شبه دائمة . ذلك التشجيع أو تلك المكافأة تسمى "بالتدعيم". أما السلوك أو التصرف الذي لا يلقى استحساناً ولا ينال قبولاً أو ينتج عنه عقاب أو حرمان وزجر .. فإنه غالباً ما يتوقف .. وهذا ما يسمى بظاهرة "الانطفاء". وأننا إذا أردنا أن نعلم أنفسنا سلوكاً جديداً مثل : الانتظام على القراءة اليومية لمدة ساعتين ، فإنه لا يجب الاكتفاء بتنظيم العملية وتحديد الوقت المناسب وخلافه ، وإنما يجب أن نعلم أن أى سلوك جديد نرغب فى استمراره ليصبح عادة شبه دائمة ، يجب أن يدعم بالمكافأة والتشجيع ، أى يجب أن تدعم هذا العادة فى نفسك معنوياً ومادياً .
معنوياً : بتشجيع النفس وبث مشاعر الثقة والقدرة والكفاءة وغالبا ما يتم ذلك على شكل إيحاء نفسي .
وماديا : بأن تكافئ نفسك بنزهة أو شراء أى شئ تحبة ، أو زيارة شخص محبب إلى نفسك .. بل يمكن أن تكون المكافأة مجرد شراب أو طعام شهى . فسلوك الفرد يحدده دائماً والى حد بعيد ، رد فعل البيئة على ذلك السلوك ، من إثابة واستحسان أو عقاب واستهجان . والتدعيم المعنوي من خلال عبارات التشجيع والثناء على السلوكيات الإيجابية ، والمدح وتقديم مشاعر التقبل والتقدير يؤثر فى الناس جميعاً ، ويأسر مشاعرهم ويشجعهم على تكرار السلوك الإيجابي المرغوب .
بل يعتقد البعض أن التدعيم عنصر فعال ومؤثر فى العلاج النفسي ،أياً كان أسلوب العلاج المتبع ، وأن التدعيم يستخدم تقريباً فى أغلب مدارس العلاج النفسي حتى تلك التى لا تعمد إلى ذلك ، لأن مجرد الاهتمام الذى يبديه المعالج بالاستماع للمريض والاهتمام به وبمشكلاته هو نوع من القبول والتدعيم . كما أن التدعيم الذى تقدمه البيئة يحدد إلى درجة كبيرة سلوكيات أفراد المجتمع واتجاهاتهم .
ويمكن عمل جدول للتدعيم .. فيتم حصر وتحديد السلوك الغير مرغوب فيه (اللجلجة ، الخوف ، السلوك العدواني ، عدم القدرة على عقد صداقات مع الأطفال الآخرين) ، ويتم أيضا حصر وتحديد الأشياء المحببة للطفل من أنواع الحلوى واللعب وخلافه, ثم يتم الاتفاق مع الطفل ومع باقي أفراد الأسرة على أنه فى كل مرة ينجح فيها الطفل فى تجنب السلوك الغير مرغوب سوف يدون ذلك فى الجدول وسوف يمنح التدعيم أو المكافأة إلى جانب عبارات التقدير والتشجيع والثناء من جميع أفراد الأسرة .
فالخطوة الأولى إذن هي تحديد السلوك الغير مرغوب.
والخطوة الثانية هي الالتزام بعدم العقاب (يكفى التجاهل أو الحرمان من المصروف و الامتيازات الأخرى) ، ولا يجب إتباع أسلوب العقاب إلا فى حالة الأخطاء والسلوكيات الشاذة على أن يكون العقاب غير جسدي , بل لفظي ، مع تجنب توجيه الألفاظ النابية أو الساخرة للطفل . والخطوة الثالثة هي عمل جداول للتدعيم كما ذكرنا .
وعموماً .. يفضل أن يكون التدعيم مستمرا فى البداية .. أى أن تقدم المكافأة أو التشجيع عقب كل مرة يسلك فيها الفرد السلوك المرغوب ثم متقطعاً، أى أن تقدم المكافأة أو التشجيع كل ثالث أو رابع مرة .. وهكذا.
3 ـ أسلوب التطمين التدريجى
التطمين التدريجى هو التعرض المتكرر بصورة تدريجية للأشياء أو الموضوعات التى تسبب للفرد المخاوف ، أى بمواجهة تلك الأشياء أو الموضوعات (وعدم تجنبها) تدريجياً ، الى أن يتم تحييد المشاعر والانفعالات التى تسببها ، وحتى يتم الوصول الى درجة تفقد فيها تلك الموضوعات خاصيتها المهددة ،وتتحول الى موضوعات محايدة لا تثير عند الفرد أى قلق أو مخاوف .
ويستخدم إسلوب التطمين التدريجى بمفرده أو مع أساليب أخرى مثل الاسترخاء أو التدعيم . وهو يستخدم فى علاج حالات عديدة مثل: المخاوف المرضية: كالخوف من الأماكن الضيقة ، أو الأماكن المزدحمة أو المرتفعة، أو الخوف من الحيوانات أو الظلام ، ويتم استخدامه مع الأساليب الأخرى مثل: إسلوب التدعيم ،أو إسلوب تأكيد الذات والذي يفيد كثيرأً فى علاج حالات سوء التوافق الاجتماعى ، والخجل ، واللجلجة والعجز عن التعبير عن النفس فى وجود الغرباء ، كما يمكن الإستفادة من ذلك الإسلوب فى علاج حالات الاكتئاب النفسى والوساوس وغيرها.
الخطوة الأولى :فى اتباع ذلك الاسلوب ، أن يتم حصر وتحديد المواقف التى يشعر فيها الفرد بالقلق أو بالخوف والاستعانة بأسلوب فهم وملاحظة الذات من خلال طرق التقييم المتعددة ، وعلى الإنسان أن يدرك أن مواجهة النفس بصراحة ووعى تنير له الطريق ، وتمكنه من وضع يده على نقاط الضعف ، وأن يعترف بها بدون مكابرة أو عناد .
والخطوة الثانية : هى ترتيب المواقف المسببة للقلق أو للمخاوف ترتيبا هرمياً ، بحيث يقوم الفرد بتدوين مسببات القلق على شكل قائمة يدون خلالها المواقف التى تثير مخاوفه والأحداث التى تزعجه وتجعله يشعر بالتوتر أو اليأس أو الضيق ، وفى نفس الوقت يجب أن يدرب الفرد نفسه على الاسترخاء , ثم يتخيل المواقف المختلفة التى تسبب له التوتر والاضطراب . أو أن يتذكرها كما مر بها، ثم يقوم بعد ذلك بإعادة ترتيب هذه المثيرات على شكل هرمى بحيث تكون أضعف هذه المثيرات وأقلها إحداثاً للقلق أو المخاوف عند قاعدة ذلك الهرم , وأن تكون أكثرها وأشدها تأثيراً وإزعاجا عند القمة , ثم يبدأ بعدها فى صعود ذلك الهرم بالتدريج وهو فى حالة استرخاء ، سواء وهو يواجه تلك المثيرات مواجهة حقيقة حية متدرجه أو بالتخيل , وأن يبدأ – كما ذكرنا- من المثير الأضعف الى الأكثر شدة وهكذا على أن يتم ذلك خلال جلسات عديدة - ثلاث جلسات أسبوعية على الأقل- وألا ينتقل من درجة إلى أخرى إلا بعد الإحساس بزوال أو إنخفاض القلق أو المخاوف . وقد يستغرق مثل ذلك الاسلوب ستة شهور أو أكثر .
4 ـ العلاج بالاسترخاء
بدأ العلاج باستخدام أسلوب الاسترخاء فى العلاج النفسي منذ أن قدم العالم الأمريكي الشهير "جوزيف وولب" العديد من الأبحاث فى استخدامه لذلك الأسلوب بنجاح ، فى علاج العديد من الاضطرابات النفسية وعلى رأسها القلق النفسي . فتوتر عضلات الجسم يعتبر استجابة قديمة عند الإنسان، بحيث يمكن أن نطلق عليها اسم " الاستجابة الأثرية" – إذا صحت التسمية – فهي كالأعضاء الأثرية التى لم تعد ذات وظيفة حيوية فى العصر الحالي فقد كانت هذا الاستجابة ضرورية فى الحفاظ على الجنس البشرى فى العصور السابقة حيث كانت الأخطار التى تهدد حياة الإنسان ممثلة فى الوحوش والحيوانات المفترسة تتطلب القوة العضلية سواء للدفاع عن النفس والقتال أوللهروب والفرار. ولكن هذه الاستجابات الممثلة فى التوتر العضلي والتغييرات الفيسولوجية المصاحبة له والتي تهيئ الجسم للقتال ، استمرت كرد فعل سريع عند الشعور بالانفعال أو الخوف أو القلق ، ولكنها أصبحت بلا وظيفة فى عصرنا الحالي ، بل أنها تعيق التفكير الموضوعي وتسبب المزيد من الاضطراب الفكري والوجداني ، ولقد أثبتت الأبحاث وجود علاقة بين شدة التوتر النفسي وزيادة التوتر العضلي، ويمكن أن يحدث التوتر العضلي بصورة مستمرة أو على شكل نبضات أو انقباضات مثل الحركة ألا إرادية التى تحدث لعضلات الوجه أو مثل رعشة اليدين وقضم الأظافر ورمش جفن العين ، أو فرك اليدين وهز الركبتين وخلافه , والسؤال هنا ما هي فوائد الاسترخاء ؟ وفى اى الحالات يفيد استخدامه ؟ نستطيع أن نقول إجمالا أن المران على الاسترخاء هو تنمية لقوة التحكم فى الذات والتخلص السريع من الانفعالات والقلق النفسي ، بحيث يمكن للفرد أن يستعمله عند الشعور بالتوتر العصبي أو القلق أو الخوف ، أو قبل حضور اجتماع هام أو قبل دخول الامتحان ؛ كذلك قبل مواجهة موقف يحتاج إلى الثبات والهدوء ، كما يمكن استخدامه مع أسلوب التطمين التدريجي لمواجهة المواقف المسببة للقلق والتوتر عموما أيضا ، ويمكن استخدامه فى علاج حالات الضعف الجنسي حيث يؤدى القلق والانفعال والخوف من الفشل إلى عدم الانتصاب أو إلى القذف السريع ، وهنا يتم التركيز على استرخاء الجزء الأسفل من الجسم خاصة عضلات الفخذين والحوض والظهر . ويستخدم أسلوب الاسترخاء أيضا فى علاج حالات تشنجات الأمعاء والأحشاء الداخلية وفى حالات الصداع النصفي وخفقان القلب والقولون العصبي والأرق ، كما يؤدى الاسترخاء دورا هاما فى تغيير الأفكار الهدامة وفهم طبيعة القلق وبث الثقة فى النفس ـ خاصة ـ عندما يبدأ الفرد فى الشعور بتزايد قدراته على التحكم فى انفعالاته من خلال تمرينات الاسترخاء ، فالاسترخاء هو: إيقاف كامل ومؤقت لتوتر عضلات الجسم . فالعضلات تكون فى حالة من التوتر البسيط حتى أثناء النوم أو الراحة ، وهذا التوتر والانقباضات البسيطة يمكن ملاحظتها فى حالات القلق و الاضطرابات الانفعالية ، وهذا التوتر هو شرارة توهج وإثارة مراكز الانفعال.ويمكن ممارسة الاسترخاء لجزء من عضلات الجسم ، ولدقائق معدودة وفى اى مكان ، قبل أو عقب التعرض لموقف قلق أو موقف مزعج ، وأن التدريب والوصول إلى مستوى جيد من التحكم فى الانفعالات عن طريق الاسترخاء يتطلب التركيز فى ممارسة التمرينات، كما يتطلب الانتظام اليومي فى التدريب لمدة ثلث ساعة أو أكثر ولمدة أسبوع أو أكثر أيضا ، وكلما ازدادت قدرة الفرد على إرخاء عضلاته حتى درجة الشعور بالتنميل أو بفقدان الإحساس بالعضلات أو بجزء من الجسم ، كلما ازداد التأثير المضاد للقلق وبالتالي تكون النتائج أفضل وأكثر ايجابية، كما يمكن أن يستعين الفرد بتسجيل خطوات الاسترخاء والعبارات التى يقولها لنفسه (الإيحاء الذاتي) لتساعده على التركيز الذهني وعلى طرد اى أفكار أخرى، كما يمكنه أن يسجل تلك العبارات بصوت هادئ عميق على شريط كاسيت واستعماله أثناء تدريبات الاسترخاء.
5 ـ تأكيد الذات و الثقة بالنفس
ونعنى بأسلوب تأكيد الذات: أن يدرب الفرد نفسه باستمرار على التعبير عن النفس بثقة (وبدون مبالغة)، وأن يعبر عن مشاعره – سواء كانت ايجابية او سلبية – وعن آرائه . فعلى الفرد أن يدرب نفسه على تنمية قدرته على التعبير عن مشاعر الحب ، أو الاعجاب، أو التقدير، وأيضا عن مشاعر الرفض أو الغضب أو الكراهية تعبيرا لفظيا واضحا ومباشرة . ويؤدى اتباع هذا الاسلوب الى الثقة بالنفس واحترام الذات .
كما ان لهذا الاسلوب فوائده فى تحسين قدرة الفرد على التوافق الاجتماعى وعدم كبت المشاعر ، ويقوم بعض المعالجين الذين يتبعون مثل هذا الاسلوب بتدريب مرضاهم على كيفية أداء المواقف الاجتماعية المختلفة مثل: كيف يتحدث الفرد مع رئيسه ؟ وكيف يعبر عن رأيه امام الاخرين ؟ (خاصة ذوى السلطة او النفوذ )، أو كيف يعبر الفرد عن نفسه وعن مشاعره أمام الجنس الاخر. وتتعدد أساليب تأكيد الذات: فبعضها يعتمد على تأكيد الذات من خلال المظهر والسلوك العام،وبعضها يعتمد على تأكيد الذات من خلال المهارات اللفظية وبالحضور الذهنى فى المواقف المختلفة ، وعدم الانشغال بأمور الحياة ومشكلاتها اثناء تواجده فى المواقف الاجتماعية المختلفة . كذلك يجب أن يدرب الفرد نفسه على استخدام عبارات تؤكد وجوده مثل "انا أحب" ، أو "أنا أكره"، أو "أنا أؤيد" ،أو "أنا أرى" ، مع عدم الخوف من النقد الاجتماعى ، وأيضا عدم المبالغة فى تأكيد الذات، مع توخى الصدق فى التعبير عن النفس ، فلا تكون المعارضة بهدف جذب الانتباه .
ويعتقد البعض أن الظهور بمظهر الخنوع المبالغ فيه، أو الادب والاستكانه والخجل قد يجلب اليهم القبول أو الحب أو التقدير ، ولكن هذا الاعتقادغير صحيح ، وتستطيع إذا كنت من هؤلاء الذين يسلكون مسلك الخانعين المساكين أمام رؤسائهم أو أمام أى مسئول، فما عليك الآن الى أن تتخيل انك ذلك المسئول، وأن أمامك اثنين من مرءوسيك :
الاول مهذب ، هادئ ، واثق من نفسه، يتحدث بهدوء واطمئنان ، ويتحدث أيضا بثقة وبدون مبالغة عن قدراته وعن آرائه ومشاعره .
والثانى مهذب ، هادئ ، ولكن خجول ، متلعثم ، منطو ، يميل الى الاستكانه أو المسكنة والانكسار ، وإلى التقليل من قيمة نفسه . فإلى أيهما تميل ؟ وفى أيهما تثق ؟ وأيهما تحترم ؟
فحاول ان تكون ذلك الشخص الأول ،لأنك إذا لعبت دور الشخص الثانى ونجحت فى اكتساب بعض العطف والقبول، فإنك ستفشل فى اجتذاب الثقة والاحترام والتقدير . وتأكيد الذات من خلال الاهتمام بالمظهره العام ، أمر في غاية الأهمية ، فيجب أن يهتم الفرد بارتداء ملابس نظيفه، وأنيقة ،ومناسبة، وغير مبالغ فيها ، أو فى اسعارها . كما يجب الاهتمام بالنظافة الشخصية ، والتخلى عن بعض العادات المنفره مثل: عادة البصق على الارض، أو حك الجسم، أو نتف شعر الوجه أمام الاخرين ، أو التجشؤ بصوت مسموع .. الخ . كذلك فإن الظهور دائما بوجه عبوس ، مقطب الجبين ، أو بوجه جامد الملامج أو مهموم ينفر الناس . بينما يجذبهم ذلك الوجه الهادئ المبتسم . ولاحظ التغييرات التى تحدث حتى فى نبرة صوتك عندما تكون مكتئبا مهموما أو خائفا ، ثم وانت هادئ أو سعيد ـ ان الفرق شاسع ـ فحاول أن يكون صوتك واثقا ، غير منكسر وغير متوتر النبرات ، وأن تكون كلماتك واضحة واثقة . إن هذه اللمحات الصغيرة ، هى لغة تعبر عن الفرد وعن حالته النفسية ابلغ تعبيرـ تماما كلغة العيون ـ فيجب ان تؤكد للآخرين مشاعرك وثقتك بنفسك من خلالالسلام باليد ، ومن خلال حركات الجسم وإشارات اليد وطريقة المشى .. الخ . كما يجب أن تعود نفسك على عدم الخجل عند تتلقى الثناء أو الشكر ، أو كلمات الاعجاب والمدح ، بل يجب أن تظهر رضاك وامتنانك لهذا ، ويستحسن أن تعلن عن شكرك وسعادتك بكل تقدير تناله ، وأن تدرك أن كل إنسان يحب الثناء على إيجابياته ،وأن كلمات الثناء والتقدير والمجاملة ـ بدون مبالغة أو نفاق ـ تفتح القلوب وأبواب النجاح .
6 ـ فهم وملاحظة الذات
من الأشياء الهامة التى يجب على الفرد إتباعها لعلاج مشكلاته النفسية وبلوغ درجة أرقي من الوعي والنضج النفسي ، أن يفهم نفسه ، وأن يتعرف على الحيل ( الدفاعات ) النفسية التى يهرب من خلالها من مواجهة مشاكله وعيوبه، وذلك بشكل مباشر وصادق متحملا ألم المواجهة ومسئوليتها ، لذا عليك دائما أن تتعلم أن تحاسب نفسك – ولو لدقائق – فى نهاية كل يوم ، أو حتى فى نهاية كل أسبوع ، وأن تجعل لذلك كراسة خاصة ترجع إليها من وقت لآخر ، وأن تتعلم عادة مواجهة النفس وحسابها بمنتهى الصدق والشجاعة وبانتظام ، وعليك من الآن أن تقرر الخلاص من الفتور والسأم ، وأن لا تترك نفسك كقشة تتقاذفها أمواج الحياة بعشوائية جاهلة مجنونة ،وعليك أن تعلم أن الفرد إذا كذب على الآخرين وراوغهم لكي يحافظ على صورته – الزائفة طبعا – فإنه لا يجب أن يكذب على نفسه ، كما أن عليك أن تدرك أن الإسراف فى استخدام الحيل النفسية: (كالتبرير، والكبت، والإسقاط .. الخ) لتجنب مواجهة الحقيقة يؤدى حتما إلى عمى البصيرة ، أو ما يطلق عليه البعض عمى القلب ،وعندما يكذب الفرد ويصدق نفسه، يعيش فى أوهام وضلال ،وينغمس بالتدريج فى ظلام لا أول له ولا أخر. عليك أن تأخذ قراراً جاداً بتنظيم حياتك ، وبأن تعود نفسك على أن تستقطع دقائق فى نهاية كل يوم ، أو نهاية كل أسبوع لمحاسبة النفس، وعليك أن تجيب عن عدة أسئلة هامة .. مثل : ماذا فعلت اليوم من ايجابيات وسلبيات ؟ هل كنت منظماً اليوم ؟ هل أعطيت لكل من العمل والترفيه الوقت المخصص لكل منهما ؟ ما هي الأخطاء أو الحماقات التى بدرت منى اليوم ؟ ما هي المواقف التى انفعلت فيها واستسلمت للقلق والتوتر ؟ وما هي أسبابها الحقيقية التى اعتبر أنا مسئولا عنها ؟ وما هو أسلوب العلاج الذى سأتبعه لتغيير السلوكيات غير السوية والتصرفات الحمقاء غير الملائمة ؟ وما هي ملاحظاتي على إتباع أسلوب – أو أكثر – من أساليب العلاج النفسي الذاتي ؟ وما هي أوجه القصور أو الإخفاق أو الفشل فى الالتزام بخطوات هذا الأسلوب ؟ وما هو التعديل اللازم لتجنب ذلك ؟
فحساب النفس – دون إسراف أو تأنيب للنفس – وكذلك فهم وملاحظة الذات ، أمور بالغة الأهمية . ولكن احذر الانشغال بملاحظة الذات أكثر مما ينبغي ، حتى لا تتوتر وحتى لا تنشغل عن أن تعيش حياة تلقائية بسيطة . وتعلم أن تقبل مشاعرك وانفعالاتك بلا أدنى خجل، وأن رغبتك فى تغيير بعض سلوكياتك لا يجب أن تقترن بلوم النفس وتعذيب الذات . فالأمر لا يتطلب أكثر من تعلم عادة جديدة ، هي تخصيص عدة دقائق فى نهاية كل يوم لتدوين ملاحظاتك وإجاباتك على الأسئلة السابقة، أو أى أسئلة أخرى تجول بذهنك ، وذلك فى كراسة خاصة أو أجندة أو حتى شريط تسجي، كما يستحسن أن يكافئ الفرد نفسه مكافأة ذاتية ـ مادية أو معنوية ـ لبث الثقة فى نفسه وفى قدراته، وهذا ما نطلق عليه "أسلوب التدعيم الذاتي" ، على أن يكون هذا عقب النجاح فى تحقيق برنامج أو تنفيذ أسلوب من أساليب تعديل السلوك ، وذلك مع مراعاة أن تكون الخطط أو البرامج والأهداف التى يضعها الفرد لنفسه، متدرجة فى القوة أو الشدة ، وأن تكون متناسبة مع إمكانيات الفرد وقدراته الحقيقية وظروفه البيئية والاجتماعية ، فالطالب الذى لم يتعود الانتظام فى عادة الاستذكار اليومي المنظم، لا يجب أن يضع نظاما قاسيا للاستذكار والقراءة ، بل يجب أن يتبع برنامجاً هرمياً متدرجاً فى القوة ، وأن لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا بعد أن يكون قد استطاع الالتزام تماما بالبرنامج الأبسط ، وأن يستخدم أسلوب التدعيم ومكافأة الذات ، لأنه يعلم نفسه عادة جديدة ، وفى الحقيقة لا عادة بدون تدعيم (راجع أسلوب التدعيم الذاتي ) . كما يجب أن تعلم أن الخطط والبرامج القائمة على الحماس فقط والتي تسقط من اعتبارها الإمكانيات الفعلية للفرد والبيئة، والتي لا تعتمد فى تنفيذها على نظام ثابت ملزم ، غالبا ما تفشل مسببة للفرد القلق النفسي الذى يزيد من ارتباكه ويقلل من قدرته على التركيز والإنجاز . وتعتبر الخطوات السابقة فى فهم وملاحظة الذات خطوات هامة ، لأنها تمثل مرحلة جمع المعلومات ، ونحن نعلم أن أى عمل علمي دقيق لابد وان يعتمد على معلومات صحيحة ودقيقة ، والمعلومات التى يستمدها الفرد عن نفسه، لا تعتمد فقط على ملاحظاته عن ذاته ، وإنما تعتمد أيضا على ردود الفعل التى يتلقاها من الآخرين ، وذلك من خلال التعامل اليومي معهم والاحتكاك المستمر بهم . والشخص الناضج هو الذى يستمع لجميع الآراء باهتمام ، وأن يستمع بهدوء وتعقل وبلا انفعال للآراء المضادة ، والانتقادات المعارضة ،وأن يأخذ بالجوانب الإيجابية فيها ويلقى بالمبالغات المغرضة غير الموضوعية ، وأن يعتبر أن كل موقف صعب هو بمثابة اختبار وتدريب وفرصة عظيمة للتعود على الثبات الانفعالى ، كما أن استشارة الأقارب والأصدقاء المخلصين وسماع رأيهم فى جو من الود والأمان ، يسمح لهم بالنقد البناء و البعد عن المجاملة، بل وكسب لا يقدر بثمن ,لأنه يمد الفرد بما يسمى بالتغذية الراجعة ، ويسلط الضوء على بعض الجوانب التى لا يراها أو التى يهرب من رؤيتها ! وعلى أساس تلك التغذية الراجعة أو رد الفعل ،أو الرأي الآخر يمكن للفرد أن يعدل من سلوكه ليصبح أكثر نضجاً وتوافقاً ، وتؤدى عملية الملاحظة والمتابعة ـ فى حد ذاتها ـ دوراً علاجياً ، فالذي يلاحظ ويدون عدد المرات التى يكذب فيها، أو عدد السجائر التى يدخنها ، أو عدد المرات التى ينفعل فيها بلا داع ، سيلاحظ بعد فترة انخفاض عدد مرات تلك العادة السيئة انخفاضا ملحوظا ، وذلك أن ملاحظة عادة أو سلوك ما ملاحظة علمية يومية منظمة والتركيز عليها ، يؤدى إلى تغييرها نتيجة وضعها فى دائرة الوعي بصورة مستمرة ومنظمة.
7 ـ العلاج النفسى الذاتى
يعانى الكثيرون في عصرنا الحالي من القلق النفسي والتوتر وعدم القدرة على التوافق النفسي والاجتماعي، ومن الملاحظ أن الإنسان يحاول دائماً أن يعالج مشكلاته النفسية بنفسه، وأن يبذل الكثير من الجهد كي يعالج آلامه النفسية وقلقه واضطراباته، بإتباع أساليبه الخاصة واقتراحات المحيطين به، والتي كثيراً ما تدفع به إلى الاتجاه الخاطئ، ومع تزايد تناقضات هذا العصر وإحباطاته وتعدد الأزمات والضغوط المادية والاجتماعية ، وكثرة وتعقد المشكلات النفسية التى يواجهها الفرد ؛ أضف إلى هذا موقف رجل الشارع من الطب النفسي المعاصر ـ وهو موقف له أسبابه ـ لذا ؛ فقد تنبه أخيراً بعض علماء الطب النفسي والعلاج النفسي إلى أهمية ابتكار وسائل علاجية وأساليب يمكن للفرد إتباعها بنفسه دون اللجوء إلى الطبيب النفسي إلا فى الحالات الشديدة التى تستدعى ذلك ، خاصة بعد أن أكدت عدة دراسات عدم إلمام بعض المعالجين والأطباء النفسيين بمدارس وطرق العلاج النفسي الحديثة ، وتمسك البعض بالأساليب التقليدية التى ثبت عدم فاعليتها بصورة قاطعة وفشلها فى علاج الكثير من الاضطرابات .
فالعلاج النفسي هو معرفة أسباب الصراع والاضطراب عند الفرد عن طريق فحص أفكاره وانفعالاته وسلوكه ، ثم محاولة تغييره وتخليصه من الإدراك الخاطئ لنفسه وللآخرين ، وتقوية ثقته بنفسه ليصبح أكثر قدره على التكيف مع نفسه ومع المجتمع , والقدرة على علاج المشكلات والإنتاج والإبداع ، وأن يكون أكثر وعياً واتزاناً، وذلك فى حدود قدراته الشخصية ، وبالدرجة والنوعية التى يختارها هو بنفسه ، والسؤال هنا: هل يستطيع الفرد أن يكتشف بنفسه مصادر الصراع والتوتر فى داخله، وأن يتعرف على الأفكار الخاطئة والانهزامية المشوهة والمبالغات الانفعالية التى تدفعه إلى المرض وسوء التوافق النفسي والاجتماعي ؟ وهل يستطيع أن ينمى وعيه واستبصاره إلى الدرجة التى تمكنه من ذلك؟ وهل يستطيع أن يتعلم أن يعبر عن نفسه وعن انفعالاته خارج إطار العلاقة العلاجية التقليدية؟ وأن يعدل أفكاره وسلوكياته الخاطئة والسلبية ؟
إن كل تلك الأسئلة وغيرها يمكن إجمالها فى شكل سؤال آخر هو : هل يمكن أن يكون هناك علاج نفسي ذاتي ؟ والإجابة هي : نعم،إن العديد من مدارس العلاج النفسي الحديثة أصبحت تعترف بأن الإنسان قادر بالفعل على توجيه سلوكه من خلال المعرفة الواعية ، والتدريب المنظم على تعديل أفكاره وسلوكه طبقاً لقواعد العلاج النفسي الحديثة. وأحيانا تكون تصرفات الفرد غير مفهومة بالنسبة له، وبالصدق مع النفس واستمرار الشخص فى ملاحظة أفكاره وتصرفاته ونتائجها وتسجيل ذلك وتأمله ودراسته بشكل منتظم يمكنه من فهم أسباب ودوافع سلوكياته وتصرفاته ، خاصة عندما تتكرر فى المواقف المختلفة.
ويمكن للإنسان أيضا أن يكتشف أسباب الخلل وأسباب التوتر والاضطراب بل و علاجها والتخلص منها ولو بدرجه محدودة ، ومع ازدياد واستبصار الفرد بنفسه وحرصه على الاستمرار فى طريق النمو النفسي ، وتعلم المزيد من المهارات والسلوكيات الملائمة وتجريبها وأختبارها فى مواقف عملية ، يصبح أكثر قدرة على شفاء نفسه بنفسه، بحيث يتخلص من الانفعالات المعوقة ، ومن الافكار الهدامة وغير المنطقية ، وان يصبح أكثر نضجا ووعيا وتوافقا، وويمكن إتباع برنامج علمي منظم لبلوغ هذه الدرجة من الصحة النفسية بالاعتماد على رغبة الفرد وإرادته ووعيه، هو ما يسمى: بالعلاج النفسي الذاتي. وتميل بعض الاتجاهات فى الوقت الحالي إلى الاعتماد على الفرد نفسه فى علاج مشكلاته النفسية ، ويرى بعض علماء النفس مثل "اريكسون" إن السلوك فى مراحل النمو بعد سن البلوغ يكاد أن يخضع لتحكم العقل الواعي والشعور بشكل حاسم ،وبالتالي فان الفرد يستطيع أن يعي وأن يفهم – ولو بدرجة محدودة فى البداية – دوافع وأسباب سلوكه ،وأن يتحكم فيها. ولقد اتجهت الكثير من أبحاث والدراسات في الوقت الحالي، إلى ابتكار العديد من الطرق والأساليب التى يمكن للفرد العادي أن يمارسها دون الاستعانة بمعالج نفسي ، وقد أطلقوا عليها – كما ذكرنا – اسم أساليب الضبط الذاتي ، وبعض برنامج العلاج الذاتي تجمع بين تنمية الوظائف و الذهنية والمعرفية وبين أساليب تعديل الاتجاهات والسلوك معا ، ويتضمن العلاج النفسي الذاتي وظائف قريبة من الإرشاد النفسي، وأن يتعلم الوسائل التى تمكنه من ملاحظة ذاته – دون إسراف – ومن إزالة العوائق الانفعالية (الانفعالات والتوتر العصبي) مما يساعده على اكتساب المزيد من النضج والنمو والصحة النفسية، ويؤدى تعديل الجوانب المعرفية والانفعالية والسلوكية لدى الفرد ، إلى تغييرات ايجابية فى حياته مثل: تنمية القدرة على التركيز فيما يقوم بعمله، وتنمية السلوك المرن ، والتخلي عن أنواع السلوك الغير ناضجة مثل: التعصب ، سرعة الغضب ، شدة الحساسية ، النكوص، والاعتمادية والسلوك الطفلى عند مواجهة ألازمات والشدائد،...الخ، ومن التغيرات الايجابية الأخرى التى تحدث فى شخصية الفرد نتيجة تعديل الجوانب المعرفية والانفعالية والسلوكية: قبول النفس ، وقبول الآخرين ، والتسامح وازدياد القدرة على عقد صداقات وعلاقات اجتماعية تتسم بالقوة والدفء والفهم والتسامح. فالعلاج الذاتي يعتمد على رغبة الفرد فى تعديل سلوكه وبلوغ درجة أرقي الصحة النفسية ومن النمو ، ونلاحظ أن هذه العملية بأكملها طبيعية ، وأن التغيير الحادث لا يتم بصورة تمثيلية أو تجريبية مفتعلة داخل الغرف المغلقة فى العيادات النفسية ، وأن مسئولية النمو النفسي والتغير متروكة بدرجة كبيرة للفرد وأرادته.
8 ـ أساليب تعديل التفكير
اهتم فى الآونة الأخيرة عدد من المعالجين النفسيين بدور العوامل الفكرية والذهنية فى التسبب فى الاضطرابات النفسية ، ويفترض عالم النفس "ألبرت أليس" مؤسس مدرسة العلاج العقلاني: أن التفكير هو المحرك الأول والمسبب للانفعال ، وأن أنماط التفكير المتعصبة والغير منطقية هي التى تسبب الاضطراب والمرض النفسي ، ويؤكد أنصار مدرسة العلاج العقلاني على قدرة الإنسان على فهم ما يحدث له من اضطرابات ، وما يعانيه من مشكلات ، وأن الاضطراب النفسي الذى يعانى منه فرد ما هو نتيجة سوء تفسيره وتأويله للأمور ، وذلك بناء على الأفكار والمعتقدات الغير منطقية والسلبية الهدامة التى يتبناها ، وأن الإنسان قادر على التخلص من مشكلاته الانفعالية واضطراباته النفسية إذا تعلم أن ينمى تفكيره المنطقي إلى أقصى درجة ممكنة ، وأن يخفض من الأفكار الانهزامية المشوهة والغير منطقية , والمبالغات الانفعالية إلى أدنى درجة ممكنة أيضاً ، والجدير بالذكر أن كل إنسان يقول لنفسه طوال الوقت – شعوريا أو لا شعورياً - أفكاراًً وجملاً باستمرار عن كل ما يتذكره وما يواجهه ، أو ما يتصوره من مواقف ، أو بناء على ما يقوله لنفسه فى حواره الذاتي من أن "ذلك الشئ كريه وفظيع" أو "رائع وجميل" تتكون انفعالاته وأوهامه وهواجسه بناء على تلك المفاهيم ،وبما أن التفكير يسبب ويحرك الانفعال ، وأن مشاعر الإنسان هي نتائج عمليات معرفية تعتمد على الحكم الفكري والتأملى، وعلى الميل تجاه ما يتم تقديره فكرياً على أنه شئ حسن أو ممتع أو مفيد أو العكس ،فإن ضبط التفكير من خلال ضبط الأحاديث الداخلية ، وما يقوله الفرد لنفسه باستمرار، يؤدى إلى ضبط الانفعال ،والعلاج النفسي تبعاً لذلك الأسلوب يعتمد على تعديل الأفكار والمعتقدات الهدامة والغير منطقية والتي تؤدى إلى التوتر والصراع النفسي ،ولقد استطاع "ألبرت أليس" من خلال ممارساته الإكلينيكية مع عدد كبير من المرضى تحديد وحصر الأفكار والمعتقدات الغير منطقية والشائعة فى أذهان الناس فى المجتمعات الغربية ، ولقد أثبتت العديد من التجارب المثيرة التى أجريت حديثاً ، ارتباط عملية التفكير بالانفعال ، وأيضا بالاستجابات الجسمية المختلفة . فقد وجد أنه عند التفكير السلبي تتأثر أجهزة الجسم فيتغير حجم حدقة العين، ويتصبب العرق ، ويزداد النبض .. الخ ، وفى تجربة أخرى وجد أن التفكير يقترن بكلام باطن غير مسموع ،وبوجود حركات دقيقة فى عضلات أعضاء النطق (الحنجرة واللسان والشفتين) وقد أمكن تسجيلها بأجهزة دقيقة وحساسة ،واستمرار الفرد فى اجترار مثل تلك الأفكار الهدامة والغير منطقية والخبرات الغير سارة وذكريات المواقف السيئة, تؤدى إلى إثارة مراكز الانفعال بصورة متواصلة ، وتراكم مشاعر الضيق والقلق الاكتئاب ، بحيث يجد الفرد نفسه فى نهاية اليوم ، مكتئباً ، قلقاً ، حزيناً ،بائساً ، دون أن يدرى لذلك سبباً واضحاً ،ودون أن يعرف أن أفكاره ومعتقداته عن نفسه وعن الآخرين هي السبب فيما يعانيه
ويستطيع الفرد بالتعلم وبالمران المستمر، أن يتحكم فى مسرحه الذهني وأن يسمح للأفكار البناءه المنطقية الغير متشككة المتفائلة ، بالتواجد داخل ذاته، وأن يطرد الأفكار السوداء والتصرفات المتشائمة ،وألا يسمح لها بمجرد الظهور عليه ولو لدقيقة واحدة، فالعمليات المعرفية والعقلية ذات أهمية بالغة فى تغيير السلوك ،كما أن الانفعال ليس إلا تفكيراً يحمل فى طياته حكماً عقلانياً تجاه موضوع ما بأنه حسن أو سيئ، ممتع أو كريه. كذلك فإن عمليات التفكير المختلفة والتصور الذهني ، والتوقع والتنبؤ بما سيكون عليه الأشياء هي مصدر إثارة الانفعال، وأن ذلك يتم عن طريق الحوار الداخلي..والعبارات والتصورات التى تدور فى عقل الفرد (ما يقوله الشخص نفسه) سواء على المستوى الشعور أو إلا شعوري ، وفى الحقيقة فإن أى أسلوب للعلاج النفسي – مهما اختلفت المدرسة التابع لها – لا يمكن أن تؤدى إلى نتائج فعالة وإيجابية إلا من خلال تغيير وتعديل النواحي المعرفية ، والممثلة أساساً فى تعديل وتصحيح أفكار الفرد ومعتقداته وتوقعاته ، وكذلك تصوراته عن نفسه وعن الآخرين ،ويلعب كل من الإيحاء .. والتخيل . والتصور الذهني ، وكذلك الذاكرة والتعلم ، دوراً هاماً فيما تعتنقه وتقوله لنفسك باستمرار من أفكار ومعتقدات تؤثر على حالتك النفسية.
ولقد أجريت تجربة عن العلاقة بين المعتقدات والأفكار التى تغرس فى ذهن الفرد وعلاقة ذلك بالقوة العضلية ، فتبين أن الأفراد الذين يوحى إليهم وهم تحت التنويم المغناطيسي بأنهم ضعفاء تقل قوة انقباض عضلاتهم وتقل قدرتهم على رفع الأثقال بمعدل يصل إلى الثلث تقريباً ، وأن بث أفكار بالقوة والمقدرة لنفس الأفراد عن طريق الإيحاء أيضاً أدى إلى زيادة قدرتهم على رفع أثقال تزيد عن أقصى معدل لهم قبل التجربة بمقدار ملحوظ