مقالات الاسرة

علي بابا والأربعين حرامي

4186
1
تاريخ النشر :2013-08-06

قصة تراثية تحكي لنا عن الصراع الأبدي بين الخير والشر ،فيها إسقاطات كثيرة ، سياسية واجتماعية واقتصادية ، وهى قصة مجهولة لمن لم يتجاوز عمره الأربعين ، حيث طغت ثقافة الفضائيات والألعاب الالكترونية واحتلت مكان الحزاوى والحكايات الشعبية.. وليتعرف شبابنا على مختصر تلك الحكاية نوردها منقولة كما يلي :على بابا حطاب فقير يسعى يوميا إلي كسب عيشه في الغابة ومعه حماره الهزيل ليحتطب من الأخشاب ويبيعها في السوق ، وذات يوم شاهد فى الغابة  أربعين فارسًا يتقدّمهم قائدهم، توقفوا عند صخرةٍ كبيرةٍ في وسط الغابة، وترجل قائدهم وصاح بأعلى صوته مُخاطبا الصّخرة: ( افتح يا سمسم )، تحركت الصّخرة وظهر كهفٌ كبيرٌ، له باب واسع، دخل إليه القائد وتبعه الفُرسان ..

انتظر «على بابا» حتى غادر اللصوص ، ووقف أمام المغارة و نادى بأعلى صوته: ( افتح يا سمسم )، فإذا بالصّخرة تنفتح ودخل الكهف والخوف يتملّكه، فوَجَد فيها كميّات لا تُحصى من الذّهب والفضّة والأحجار الكريمة والثياب المُزركشة.


 لم يُضع على بابا الفرصة، بل أخذ يحشو جيوبه بما تصل إليه يداه من الذهب والجواهر، ثم خرج و نادى بأعلى صوته: ( أغلق يا سمسم )، وعاد لبيته فرحا بما ( سرق ) .

 وبعد تفاصيل كثيرة يكشف اخو علي بابا السر ، ولأنه شخص طماع سار بقافلة من البغال والحمير لحمل كل ما يستطيع من خيرات من المغارة، ودخله فعلا بكلمة السر ( افتح يا سمسم ) ، ولكن لشدة نهمه وطمعه وانشغاله بتجميع الجواهر والذهب والفضة على ظهور البغال ، نسي كلمة السر ( افتح يا سمسم )، وانغلقت عليه المغارة حتى عاد اللصوص مرة أخري ، وقبضوا عليه وقتلوه ، وسعوا لقتل أخيه علي بابا ، لولا رحمة الله وذكاء  وفطنة زوجته التي أنقذته….).

لكن ما هو الهدف من سرد هذه الحكاية الآن وفى القرن الحادي والعشرون ؟

وهل على بابا وأخوه الجشع والأربعين حرامي ما زالوا يعيشون بيننا ؟

تبادر إلى ذهني أن أحكي هذه الرواية لأحد أبنائي الذي ينوي الدراسة في أمريكا ؟

للاستفادة من إسقاطاتها والحذر من الوقوع في مزالقها ، فأبناءنا الطلبة الدارسين في الخارج ، عادة يشبهون على بابا في فقره وبساطته وقلة خبرته في الحياة وصراعاتها ومخاطرها ، وعند وصولهم إلى الدولة التي اختاروا الدراسة فيها ، تفتح لهم مغارة على بابا بخيرها وشرها ، بعضهم يبدأ محاسبة النفس ونهيها عن المحرمات والتمسك بحفظ كتاب الله ( وهى كلمة السر البديلة لأفتح يا سمسم ) و والبعض الآخر ينسى ذلك فتنغلق عليه المغارة ولا يستطيع مغادرتها ويقع في كثير من الشرور والمخاطر حفظنا الله وإياكم منها.


ولتنبيه أبناءنا الطلبة الدارسين في الخارج واخص فيها ابني أحمد إلى إسقاطات تلك الحكاية عليه أقول:

مغارة على بابا ماثلة أمامك كل يوم وفى كل تعاملاتك مع الآخرين ، فهي موجودة في تعاملاتك التجارية وتعاملاتك الثقافية والعلمية والرياضية والسياسية…الخ ،ولكل مغارة مفتاحها وكلمة السر الخاصة فيها، ومتى ما نسيتها وقعت في المحضور لا سمح الله .


مغارة علي بابا موجودة أيضا في داخلك ، ففيها الكثير من الكنوز والخيرات ،وكل ما عليك هو معرفة كلمة ( افتح يا سمسم ) الخاصة فيها لتتفتح لك تلك الكنوز.


مغارة على بابا وخيراتها موجودة في علاقتك مع الله وكتابه ، ففيها الكثير من الكنوز التي لم يسبق لك التعرف عليها، والآن لديك الفرصة للاختلاء مع الله ومع كتابه، وستكتشف أن الله تعالى يخاطبك شخصيا وكأنه يعيش معك ( وهو فعلا يعيش معك في كل لحضة ) فلا تنساه أو تغفل عنه.

كلمة ( الله ) والخوف منه هي كلمة السر الحقيقية لكل أمور حياتك، متى ما وضعتها في الميزان رجحت على كل ما سواها من ملذات ومتع وزينة، وهى طوق النجاة من الغرق في اليم .

مغارة علي بابا وخيراتها موجودة في علاقتك مع والديك وإخوتك وأصدقاءك الحقيقيين ومن يدعمونك من المحيطين بك ،وفى بلدك ، فاعد اكتشافهم لتتكشف لك الخيرات التي كنت غافلا عنها.

لا تلتفت لمن سبقك في الدخول إلى المغارة وأغلقت عليه ، فالغريق يغرق من يحاول إنقاذه إن لم يكن عارفا بفنون السباحة ويتقن آلية الإنقاذ،فهل تحب أن تغلق المغارة على من تحب؟

الخير والنعمة والنجاح والفرح والسعادة موجود ، وقريبة منك ، ولا تحتاج إلى جهد كبير للتعرف عليها، بل تحتاج إلى بصيرة في التعامل مع الآخرين ، فاعتقاد على بابا بان المال يصنع السعادة ، – وهو أيضا اعتقاد الكثير من المحيطين بك – هو اعتقاد خاطئ 100 % ، فهل يهنأ السارق مع تأنيب الضمير ، وهل يهنأ الزاني مع عذاب الخوف من المرض وعقاب الله ،وهل يهنأ من يغش مع الخوف من اكتشاف أفعاله ، فكل هؤلاء يعانون من الخوف والقلق والاكتئاب والانسحاب من المجتمع بسبب أفعالهم .

إن الفقر بكل أنواعه المادية والغير مادية، ليس مبررا للوقوع في الخطأ لإشباع هذا الفقر، والحرمان من الملذات في البلاد الإسلامية ليس مبررا للغوص فيها في الخارج، ونهاية الخطأ دائما التعرض للعقاب، سواء كان عقاب دنيوي أو أخروي.

الطمع لا يقود إلى الخير بل إلى الشر دوما، والقناعة بما قسمه الله لنا هي مفتاح الخير.  

من ينسي ذكر ( الله ) وينسى واجباته تغلق أبواب الآخرة في وجهه كما أغلقت أبواب مغارة علي بابا على أخيه ، و بسبب ذنوبنا تغلق علينا أبواب الخير .

هناك كنوز لن تعرفها الا بعد انتهاء مهمتك التي أرسلت من اجلها ،وهى كنوز العمل وخدمة الدولة والدين ،والخير فيها كثير و أكثر مما تتوقع.

آخر الكنوز هو الرضا عن الذات ،والرضا بما قسمه الله لك لتنال مرضاته ، وليفتح لك كنوز الآخرة ، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 هذه الكلمات أحببت أن أقولها لك من خلال علي بابا ،عسي أن أكون وفقت لإيصال معانيها


وفقك الله وحفظك ورعاك وسخرك لما يحب ويرضى

والدك عثمان المحطب

مركز الأسرة للاستشارات والتدريب



مشاركة :

اضافة تعليق

الاسم:
التعليق:

التعليقات السابقة

البحث في المقالات
ادخل كلمات البحث
أكثر المقالات مشاهدة
إدارة المشاعر
(19043) مشاهدة (11) تعليق تاريخ النشر:2014-02-13
أهمية الاستشارة النفسية
(16924) مشاهدة (27) تعليق تاريخ النشر:2013-08-06
مهارات زوجية للمقبلين على الزواج
(12671) مشاهدة (0) تعليق تاريخ النشر:2019-04-08
غربلة الذات
(9094) مشاهدة (0) تعليق تاريخ النشر:2018-07-05
الكذب
(8590) مشاهدة (0) تعليق تاريخ النشر:2019-03-31